تطوَّر التعليم في السنوات الأخيرة بصورة متسارعة غير مسبوقة، لاسيّما بعد جائحة كوفيد19 التي سرّعت من التحول الرقمي في التعليم والمؤسسات بديلًا عن طرق التعلم والتدريس التقليدية التي توقفت حينها، ورغم ذلك الصورة الذهنية للتحول في مؤسسات التعليم غير واضحة بعد. هل هو كاستخدام بضعة أدوات وتطوير تقنية ما أم الأمر ينطوي على ما هو أكبر؟ سنستكشف في مقال اليوم أهمية أدوات التحول الرقمي في التعليم ونقدم نظرة عامة على مفهومها وكيفية الاستفادة منها بشكل فعال في البيئة التعليمية.

 

ما هو التحول الرقمي في التعليم؟

يُعنى التحول الرقمي في التعليم برقمنة العمليات والمنتجات التعليمية لتحسين طرق التدريس والتواصل والإنشاء والمتابعة وتطوير تجارب تعليمية فعالة لجميع المعنيين والمشاركين في العملية التعليمية، بدءًا من الإدارة والمدربين وصولًا إلى الطالب والمتدرب نفسه. ويُركّز تحول قطاع التعليم على الآتي:

  • إمكانية الوصول أعلى: تمكن التقنيات الرقمية المتعلمين (مثل الطلاب والموظفين) من الوصول إلى موارد التعلم بسهولة أكبر وبتكلفة أقل من التعليم التقليدي. الناس في جميع أنحاء العالم، من جميع الأعمار، مع أوضاع اجتماعية واقتصادية مختلفة لديهم إمكانية الوصول إلى الفصول والموارد من خلال الإنترنت، علاوة على أن تقنيات مثل تحويل النصوص إلى كلام تزيل الحواجز أمام الطلاب الاحتياجات الخاصة.
  • التعليم التفاعلي: تساعد الأدوات الرقمية على جعل بيئة التعلم أكثر فعالية من خلال دمج أساليب تعيلمية أكثر حداثة، مثل التدريس المصغر -تجربة تدريس بسيطة تتم في وقت قصير- ومقاطع الفيديو والاختبارات التفاعلية والتلعيب (Gamification) وغيرها، لتصل إلى أعداد أكبر من المتعليمين. مثال على ذلك. على سبيل المثال، تدعي تطبيقات تعليم اللغة التفاعلية، مثل Duolingo، أنهم يصلوا إلى عدد أكبر من المتعلمين الأمريكيين المهتمين باللغات الأجنبية أكثر من النظام المدرسي.
  • التعليم المخصص: تتيح التقنيات الرقمية، مثل الذكاء الاصطناعي، استخدام الأساليب المناسبة لتخصيص التجارب التعليمية، مثل إستراتيجية التعلم التكيفي القائمة على استخدام خوارزميات حاسوبية لتنظيم التفاعل مع المتعلم خلال التجربة التعليمية وتقديم الموارد المخصصة وأيضًا أنشطة التعلم لتلبية الاحتياجات المختلفة لكل طالب على حِدة.

ما أهمية التحول الرقمي في التعليم؟

للتحول الرقمي في التعليم أهمية كبيرة، إذ يتيح إمكانات لا محدودة لنقل المعرفة وتعزيز تكنولوجيا التعليم، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

  1. تحسين جودة التعليم: تساهم التقنية في توفير مصادر تعليمية متنوعة وغنية بالمعلومات، مما يساعد الطلاب على التعلم بشكل أفضل. كما تساعد التكنولوجيا المعلمين على تقديم دروس أكثر تفاعلية وممتعة للطلاب.
  2. زيادة فرص الوصول إلى التعليم: تساهم تكنولوجيا التعليم في إزالة الحواجز الجغرافية والاقتصادية أمام التعليم، مما يجعل التعليم أكثر متاحًا للجميع.
  3. تلبية احتياجات الطلاب المختلفة: تساهم التقنية في توفير حلول تعليمية مصممة لتلبية احتياجات الطلاب المختلفة، بما في ذلك الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة.
  4. تعزيز الابتكار: تساهم التقنيات الرقمية والناشئة في تعزيز الابتكار في مجال التعليم، مما يؤدي إلى تطوير أساليب تعليمية جديدة وأكثر فعالية.
  5. الاستدامة والتوفير: التقنية تساعد على تحقيق أهداف الاستدامة والتوفير، إذ تقلل من حاجة الورق والموارد التقليدية المستخدمة في التعليم التقليدي، مما يسهم في الحفاظ على البيئة وتقليل التكلفة المالية للمؤسسات التعليمية.

ما هي أهم التقنيات وأدوات التحول الرقمي في التعليم؟

التحوّل لا يخص جزء معين في القطاع بل يشمل كل عنصر فيه، وهذا بدوره يزيد من حجم وعدد الأدوات والتقنيات الرقمية المستخدمة لتنفيذ مبادرات التحول الرقمي في التعليم، نذكر بعض منها كما يلي:

1. الذكاء الاصطناعي

يمكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي القيام بمهام تبدو بسيطة ولكنها تستغرق وقتًا طويلاً لإعدادها في العملية التعليمية مما يساعد في تخفيف عبء العمل على المعلمين أو موظفي المنشأة التعليمية، يمكن أيضًا استخدامها لتقديم تجربة تعليمية محسنة ومخصصة للطلاب، على سبيل المثال

تحسين أداء الطلاب

  • تُعدُّ تقنيات النسخ والترجمة التلقائية (من نص إلى كلام والعكس) باستخدام الذكاء الاصطناعي (transcribe)  مفيدة للطلاب الذين يعانون من إعاقات بصرية وسمعية وإدراكية
  • تساعد تقنيات تحويل النص إلى صوت الطلاب المصابين بعسر القراءة على التعلم بشكل أكثر فعالية من خلال الاستماع بدلاً من القراءة.

زيادة فعالية الموظفين

  • يمكن تعمل روبوتات الدردشة المزوّدة بالذكاء الاصطناعي كمستشار افتراضي للطلاب تساعد في تقديم الدعم والمساندة، مثلًا في الإجابة على الأسئلة المتعلقة بالواجبات والفصول الدراسية وما إلى ذلك
  • يمكن تخصيص تقنيات التشغيل الآلي للعمليات (Robotic Process Automation. RPA) في توفير الكثير من الوقت والجهد خاصة في أقسام الدعم الفني وما سواها من وظائف روتينية ولكنها أساسية في العملية التعليمية

2. التحليلات

يساعد التحول الرقمي في التعليم بتحسين العملية التعليمية واتخاذ القرارات وفق بيانات هامة، تمكن التقنيات الرقمية المنشآت التعليمية من جمع وتحليل كميات ضخمة من البيانات حول عملياتها للمراقبة وتحسين الأداء باستمرار لتطوير وابتكار طرق جديدة تساعد في العملية التعليمية، واختبار ما إذا كانت هذه الأساليب تحقق النتائج المتوقعة منها أم لا.

3. الواقع المعزز/الواقع الافتراضي

يمكن لتقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي (AR/VR) خلق بيئات تفاعلية وافتراضية للطلاب ومساعدتهم على التعامل بشكل أفضل مع الموضوع. يمكن لهذه التقنيات تمكين الرحلات الميدانية الافتراضية إلى المواقع التاريخية أو تسهيل التعلم بالممارسة للعلوم التطبيقية والطب. كما يمكن تحسين تجربة التعلم عن بعد باستخدام تكنولوجيات الواقع المعزز/الواقع الافتراضي.

4. إنترنت الأشياء (IoT)

يمكن استخدام أجهزة إنترنت الأشياء خلال مبادرات التحول الرقمي في التعليم بعدة طرق، بما في ذلك:

  • تحسين الاتصال والمشاركة: يمكن استخدام أجهزة إنترنت الأشياء لتحسين الاتصال بين الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور. على سبيل المثال، يمكن استخدام الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية للتواصل مع المعلمين والطلاب الآخرين خارج الفصل الدراسي. يمكن أيضًا استخدام أجهزة إنترنت الأشياء لإنشاء بيئة تعليمية أكثر تفاعلية، حيث يمكن للطلاب التفاعل مع المواد التعليمية بطريقة أكثر غامرة.
  • تعزيز التعلم الشخصي: يمكن استخدام أجهزة إنترنت الأشياء لتعزيز التعلم الشخصي، حيث يمكنها تكييف المحتوى والدعم مع احتياجات كل طالب على حدة. على سبيل المثال، يمكن استخدام أجهزة تتبع اللياقة البدنية لتقييم أداء الطلاب في الفصول الدراسية الرياضية. يمكن أيضًا استخدام أجهزة الاستشعار للتعرف على أسلوب التعلم الخاص بكل طالب وتقديم المحتوى والتعليمات المخصصة له.
  • تحسين سلامة الطلاب: يمكن استخدام أجهزة إنترنت الأشياء لتحسين سلامة الطلاب، حيث يمكنها تتبع موقع الطلاب ومراقبة سلوكهم. على سبيل المثال، يمكن استخدام أجهزة تتبع GPS لتتبع موقع الطلاب في الحرم الجامعي. يمكن أيضًا استخدام أجهزة الاستشعار لاكتشاف حالات الطوارئ وإصدار إشعارات للطلاب والمعلمين وأولياء الأمور.
  • استخدام السبورات الذكية: تُعد السبورات الذكية عبارة عن شاشات رقمية يمكنها عرض المحتوى الرقمي وتفاعل معه. يمكن استخدام السبورات الذكية لعرض مقاطع الفيديو والصور والرسومات والتفاعلات التفاعلية.

5. التعلم عبر الإنترنت

يعد التعلم عبر الإنترنت (Online learning) أحد اتجاهات التعليم الأكثر شيوعًا في الوقت الحالي. يسمح التعلم عبر الإنترنت للطلاب بالتعلم من أي مكان وفي أي وقت. فيما يلي بعض الأمثلة على كيفية استخدام التعلم عبر الإنترنت في التعليم:

  • البرامج التعليمية عبر الإنترنت: تُعد البرامج التعليمية عبر الإنترنت طريقة رائعة للطلاب لتعلم مهارات جديدة أو مواكبة أحدث الاتجاهات.
  • المنصات التعليمية الإلكترونية: تُعد المنصات التعليمية الإلكترونية عبارة عن أنظمة لإدارة التعلم عبر الإنترنت توفر للطلاب إمكانية الوصول إلى المحتوى التعليمي والأدوات والتفاعلات.
  • التعلم المدمج: يجمع التعلم المدمج بين التعلم عبر الإنترنت والتعلم التقليدي في قاعة الدراسة.

بالإضافة إلى ذلك، أصبح الآن هناك إمكانية إنشاء منصات تعليمية أو نظام إدارة التعليم الخاص بها (LMS) بدون أي معرفة تقنية أو برمجية (No-Code)، ببضع نقرات فقط، وهناك من يقدّم هذه الحلول عربيًا مثل مساق.

6. الفصول الافتراضية (Virtual Classrooms)

تعد الفصول الافتراضية (Virtual classrooms) طريقة حديثة تسمح للمعلمين والطلاب بالتفاعل مع بعضهم البعض عبر الإنترنت، أتاحت مزيدٍ من طرق تقديم التجارب التعليمية التفاعلية التي كانت مستحيلة باستخدام السبورة والطباشير.

 

في الختام، التحول الرقمي في التعليم هو فرصة كبيرة لتحسين جودة التعليم وجعله أكثر متاحًا للجميع. ولكي تحقق هذه الفرصة أقصى استفادة، يجب على المؤسسات التعليمية وضع استراتيجية واضحة للتحول الرقمي تتضمن تحديد أهداف التحول والوسائل لتحقيقها. يُعد التحول الرقمي اتجاهًا لا رجعة فيه. ولكي تظل المؤسسات التعليمية مواكبة للتطورات الحديثة، يجب عليها الاستثمار في التحول الرقمي والاستفادة من التكنولوجيا لتحسين العملية التعليمية.